بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وبشر الصابرين
* * * * * * *
يبتلي الله العبد وهو يحبه ليسمع تضرعه
اسمع يا عبد الله إلى بعض الأقوال المأثورة في فضل البلاء، تقول: لم يبتليني الرب جل وعلا؟ ولم يُنزل علي هذه المصيبة؟ ولم يعاقبني الرب جل وعلا؟
اسمع ماذا يقول بعض العلماء! يقولون: إن الله يبتلي العبد وهو يحبه -أتعرف لِمَه؟- ليسمع تضرعه، يحب الله جل وعلا أن يسمع تضرع العبد إليه سبحانه وتعالى.
هل فكرت قبل أن تطرق الأبواب، وقبل أن تستغيث بالناس، وقبل أن تلجأ إليهم أن تفر إلى الرب الغفور الرحيم، أن تلجأ إلى ذي الجلال والإكرام، قيل: البلاء يَسْتَخْرِج الدعاء، تجد الرجل لا يذكر ربه، لا يدعو الله، لا يقوم الليل، لا يقرأ القرآن، لا يتصدق، لا يفعل شيئاً، فإذا نزل البلاء اسْتُخْرِجَ هذا كله، فدمعت عينه، ورفع يديه، خشع قلبه، سكنت نفسه، وتاب إلى الله.
قيل لأحد العُبَّاد: كيف كانت توبتك؟ -وهو
يقول: فتألمت من هذه الكلمات حتى انهمرت دموعي وأنا أبكي على الفراش، يقول: فلما جاء آخر الليل دعوت الله جل وعلا، واجتهدت بالدعاء وأنا أبكي وأستغيث بالله، وأتوسل إلى الله، فجاءني ألم شديد في جسمي فأنهكني الألم، حتى أغمي علي، يقول: وبعد ساعات استيقظت من النوم فوجدت يدي على صدري، يقول: فحركتها، فإذا هي تتحرك، ويدي الأخرى تتحرك، ورجلاي يقول: فقمت على جسدي، وأنا أتكلم، ففتحت الباب فنظرت إلى النجوم، وأنا أقول: يا قديم الإحسان لك الحمد، يا قديم الإحسان لك الحمد، وأنا ألتفت إلى مَن حولي وأقول: لربي الحمد، لربي الحمد: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ [النمل:62] الكافر إذا اضطر استجاب الله له، الكافر إذا ضاقت عليه الأمور، وأخلص الدعاء، استجاب الله له، كيف بالمؤمن! أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ [النمل:62].
يقول لي المسكين: قال لي الطبيب: مرضك لا شفاء له، قلت له: كذب الطبيب، فما من داء إلا أنزل الله له دواء، عَلِمَه مَن عَلِمَه، وجَهِلَه مَن جَهِلَه؛ ولكن هل طرقْتَ باب الله؟ وهل استغثت بالله؟ وهل جربت الدعاء من القلب؟
^^قصة المرأة التي كانت تصرع وتتكشف^^
امرأة أصيبت بالصرع، فتأتي إلى الرسول فتقول له
^^النبي صلى الله عليه وسلم وهجرته إلى الطائف^^
أوجه هذا الحديث إلى كل من خسر ماله، إلى كل من فقد الدنيا، إلى كل من أصيب بمصيبة، إلى الدعاة إلى الله، إلى الصالحين المصلحين، إلى من أوذي في الله، إلى من أوذي لأنه متمسكٌ بسنة رسول الله، إلى كل محجبة يُستهزأ بها، ولأنها ملتزمة يُفتَرى عليها، أوجه هذا الحديث.
أقول: إن النبي عليه الصلاة والسلام هو أشد من أوذي، وأكثر من أصيب.
يَخْرج من
ولِمَ خرج من مكة مهاجراً إلى الطائف ؟
لأنه في مكة ضُرب، وشتم، واتُّهم بعقله حتى قيل: سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ [الذاريات:52].
في مكة كان يسجد فيُؤتى بسلى الجزور فيوضع على ظهره.
في مكة خُنِق حتى كاد يُقتل عليه الصلاة والسلام.
في مكة أصيب بالجوع حتى تمر عليه الثلاثون ليلة لا يجد ما يأكل إلا ما يواريه بلال تحت إبطه.
هكذا أصيب عليه الصلاة والسلام.
خرج إلى
رمي بالحجارة، وتُبِع بالعبيد، والصبيان، والأطفال، والسفهاء، يركضون خلف خير مَن وطئت قدمُه الثرى، خلف خير إنسانٍ على وجه الأرض، يرمونه بالحجارة، دَمَعَت عينه، انطلق وهو مهمومٌ على وجهه، رفع يديه إلى الله وهو يقول ولسان
حال كل داعية إلى الله مهموم، كل داعية إلى الله مكلوم، كل داعية إلى الله مبتلى، لسان حاله يقول:
(
اللهم إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، يا أرحم الرحمين، يا رب المستضعفين، إلى مَن تكلني؟ إلى قريبٍ يتجهمني؟ أم إلى عدوٍ ملكته أمري؟ إن لم يكن بك غضبٌ عليَّ فلا أبالي؛ لكن عافيتك أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، أن ينزل بي غضبك، أو يحل عليَّ سَخَطُك، لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك ).
يا أخي الكريم! يا أخي العزيز! يا من ابتُلي! يا من ظُلم! يا من قُهر! يا من استهزئ به! اسمع يا أخي الكريم إلى هذا الشاعر ماذا يقول وهو يرى حال المسلمين! وكأنه يصف حالنا، المسلمون في الدنيا إما حروبٌ قاتلة، أو جوعٌ طاحن، أو مرضٌ متفشٍ، أو جهلٌ قابع، هذه حال المسلمين إلا مَن رحم الله، اسمع ماذا يقول!
هي الأيام كما شاهدتها دولاً من سره زمن ساءته أزمان
وتلك دار لا تبقي على أحد ولا يدوم على حال لها شان
أما سمعت أن زكريا قُتِل، ويحيى ذُبِح، ويوسف سُجِن، وسار على هذا الطريق الأولون، فهل أنت بعيدٌ عنهم؟!
لقد حفت الجنة بالمكاره.
سُب الرسول حتى قيل له: ساحرٌ مجنون، عليه الصلاة والسلام، قال الله جل وعلا: كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ [الذاريات:52]
أخْرِجْ لي رسولاً ما قيل له: ساحرٌ أو مجنون، وهم أعقل الناس، وأفضلهم، وأشرفهم مكانة، قال الله:
أَتَوَاصَوْا بِهِ [الذاريات:53] هل يوصي بعضهم بعضاً؟ بل السب والشتم والطعن، حتى الطعن في العرض وصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، تُكِلِّم في عرضه، والإفك العظيم والإفك الكبير يفنده الله في القرآن إلى قيام الساعة، وكأنها سنة كونية أن يرسلوا الكذب حول المصلحين، فإذا بالنبي عليه الصلاة والسلام يقف صامداً ثابتاًوكأن الله عز وجل يقول له: وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ [النحل:127] بل موعد هؤلاء وهؤلاء يوم اللقاء، يوم يجمعهم الله جميعاً، المؤمنون الصالحون الدعاة مع المنافقين.
يجمعهم الله جل وعلا يوم القيامة، فإذا بالرب جل وعلا يقول لهم:
( إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ * فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيّاً) [المؤمنون:109-110]
أتذكرون لما كنتم تسخرون منهم، ومن أعمالهم، ودعوتهم، وسنة نبيهم، بل من مصحفهم؟! أتذكرون؟!( فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيّاً حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ * إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا) [المؤمنون:110-111].
الصبر.. الصبر.. أيها الداعية:
اصبر .. كن حكيماً، كن حليماً، فإن هذا الطريق لا يَثْبُت عليه إلا الصابرون.
الشيخ نبيل العوضي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق