السبت، 7 يونيو 2008

إلى أهل القرآن طلاباًوحفاظاً ومدرسين1


بسم الله الرحمن الرحيمالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إلى أهل القرآن طلاباًوحفاظاً ومدرسين
المقدمةإن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، نحمده جل وعلا على آلائه ونعمه التي لا تعد ولا تحصى حمداً كما يحب ربنا ويرضى والصلاة والسلام الدائمان التامان الأكملان على النبي الكريم سيدنا ونبينا محمد الصادق الوعد الأمين وعلى آله وصحابته أجمعين وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بعفوك وكرمك يا أرحم الراحمين .
أما بعد - أيها الاخوة الكرام - سلام الله عليكم ورحمته وبركاته ، وهذا موعدنا مع درسنا بعنوان :
" إلى أهل القرآن طلاباً وحفاظاً ومدرسين "
، والله أسأل أن يجمعنا وإياكم في مستقر رحمته ودار كرامته ، وأن يجعلنا من أهل القرآن العاملين به والتالين له ، والمتدبرين فيه والناشرين لعلومه ، إنه ولي ذلك والقادر عليه ، وحديثنا اليوم هو أيضاً حديثٌ ذو شجون ، وله شعب كثيرة وفروع عديدة لا يجمعها مثل هذا المقام ، ويضيق عنها مثل هذا الوقت ، ولكن كما كنا في الدروس التي مضت نختصر ونقتصر ، ونجعل ما نذكره إشارة إلى ما نفعله وما ننشره منها على ما يطوى من القول ويشار إليه في مظانه ومراجعه ، ونبدأ الحديث بالحديث عن أهل القرآن ليعرفوا أنفسهم وليعرفهم الناس ونبدأ بـ :
القدر والمنزلة
إن القدر والمنزلة التي جعلها الله - عزوجل - لأهل القرآن - الذين يشتغلون به تلاوة وتدبرا وحفظاً واستذكاراً وتعلماً وتعليماً وعملاً ودعوة وتطبيقاً- لاشك أنها منزلة من أسمى وأرقى وأعلى ما يمكن أن يحوزه مسلم بعمل من الأعمال التي يرجوا بها القرب من الله - عزوجل - وحسبي أن أشير إلى بعض ملامح هذه المنزلة وذلك القدر .
1- الخيرية الفائقة
لقد أخبرنا المصطفى – صلى الله عليه وسلم - في الحديث الذي لا أحسب أن أحداً لا يحفظه ، ولكنه يحتاج إلى مزيد التأمل والتدبر والتفكير في مضمونه وفي دلالته ذلك ان المصطفى - صلى الله عليه وسلم - وهو يعلم خيرية أمته على سائر الأمم ويعلم خيرية الصالحين والعابدين من أمته- يجعل الخيرية في اطلاق حديثه - عليه الصلاة والسلام - مخصوصة بالمرتبط بهذا القــرآن كـمـا في الصحيح من حديث عثمان - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (خيركم من تعلم القرآن وعلمه) ، وفي لفظ آخر عند البخاري : ( أن أفضلكم من تعلم القرآن وعلمه ) ، فاعلم أن المرتبط بالقرآن تعليماً وتعلّماً في الرتبة العليا والمنزلة الرفيعة في هذه الأمة التي شرفها الله عزوجل .

2 - الشفاعة النافعة
بإذن الله عزوجلونحن نعلم أن كل أحد في هذه الحياة الدنيا يلتمس أسباب النجاة ، ويحرص على الفكاك من النار والعتق من سخط الله سبحانه وتعالى ، وإذا بالقرآن الذي يحرص عليه صاحبه ويرتبط به ، ويسعى دائماً إلى أن يكون عظيم الصلة به ، هو الذي يشفع في صاحبه ، وتدور في ذلك أحاديث كثيرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن ذلك ما ورد في صحيح مسلم عن أبي أمامة - رضي الله عنه - قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول :
( اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه، اقرءوا الزهراوين البقرة وسورة آل عمران فإنها تأتيان يوم القيامة كأنها غمامتان أو كأنهما غيايتان أو كأنهما فرقان من طير صواف تحاجان عن أصحابهما ، اقرءا سورة البقرة فإن اخذها بركة وتركها حسرة ولا تستطيعا البطلة )
، قال معاوية - يعني ابن سلاّم - بلغني أن البطلة السحرة ، فهذا نص منه - عليه الصلاة والسلام - أن القران يشفع لصاحبه ، وفي بعض ما أثر أيضاً أن المرء إذا انشق عن قبره يلقاه القرآن في صورة إنسان وقد شحب - ويكون المرء قد شحب لونه من هول ذلك المطلع فيطمئنه هذا القران - ويقول له: " ألم تعرفني فيقول لا فيقول أنا الذي اظمأتك في الهواجر أنا الذي أسهرتك في الليالي " ، ثم يشفع فيه فيشفع بإذن الله - عزوجل - وفي صحيح مسلم أيضاً عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ( يوتى بالقرآن يوم القيامة وأهله الذين كانوا يعملون به تقدمه سورة البقرة وآل عمران كأنهما غمامتان أو ظلتان سوداوان بينهما شرق أو كأنهما فرقان من طير صواف تحاجان عن صاحبهما ) ،
وكما ذكر ذلك أيضاً علماء الاسلام مذكّرين بعظيم المنزلة والشرف الذي يحوزه حافظ القران والمرتبط به فيقول ابن الجزري - رحمة الله عليه - في طيبة النشر : و هـو فـي الأخـرى شـافـع مشفع **** فـيـه وقـولـه عـلـيـه يـسمعيـعـطـي بــه الملك مـع الخلد إذا **** تُـوّجـه تــاج الـكـرامـة كـذايـقـرأ ويــرقــى درج الجـنـان **** و أبـــواه مـنـه يـُكْـسـيـانوتدور أيضاً في ذلك أحاديث وآثار كثيرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعن صحابته .
3 - المعجزه العظيمة
- المعجزه العظيمة فأنت أيها المرتبط بالقران متصل بأعظم معجزة في هذا الوجود ، ذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد بيّن أن معجزته الكبرى الخالدة ما دامت السموات والأرض هي هذا القران المعجز الذي يحي القلوب ويوقظ العقول وينشط الضعيف الكسول ، ويحمل الخير كله من أطرافه ، فأنت عندما ترتبط به فإنما ترتبط بأعظم معجزة لله - عزوجل - في هذا الوجود ، وكما ورد في مصنف ابن ابي شيبة عن إسماعيل بن رافع عن رجل عن عبد الله بن عمرو أنه قال : ( من قرأ القـرآن فكـأنما استدرجت النبوة بين جنبيه إلا أنه لا يوحى إليه ) ،
وفي صحيح الامام البخاري من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : ( ما من نبي من الأنبياء الا أعطي على ما مثل ما آمن به من البشر - أي أعطي معجزة تكون من أسباب إيمان البشر وإظهار صدق نبوة هذا النبي - وإنما كان الذي أوتيته وحياً أوحاه الله إلي فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة ) .فأنت إذاً ترتبط بالرسالة وبالوحي وبالمعجزة الخالدة ، فهنيئاً لك شرف هذا الارتباط .
4- المنافسة الكبيرة
عندما يشتغل الناس بالصفق في الاسواق ، وعندما يتزاحم الناس على لذات الدنيا وشهواتها ، وعندما يتسابقون إلى الرفعة والجاه فيها ، وعندما يتنافسون على أبواب السلاطين تبقى أنت تتنافس في أعظم الامور وأشرفها حتى أن أهل الفقه والإيمان ليرون أنك قد سبقتهم سبقاً عظيماً وقد فقتهم فوقا كبيراً ، حتى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد جمع صاحب القران مع صاحب المال المنفق في سبيل الله وجعل عملهما أعظم الاعمال التي يحرص كل أحد على المنافسة فيها والمسابقة إليها والمواظبة عليها قدر استطاعته فقد ورد في صحيح مسلم من حديث عبدالله بن عمر - رضي الله عنه - عن الرسول - صلى الله عليه وسلم – قال : ( لاحسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار، ورجل آتاه الله مالاً فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار ) فاذاً إذا تنافس المتنافسون ، فأنت في أعظم منافسة وإذا تسابق المتسابقون فأنت في أعظم ميدان فاعلم قدرك وليعرف الناس منـزلتك .
5 - المتابعة الشريفة
عندما ترتبط بكتاب الله - عزوجل - فإن أسوتك جبريل - عليه السلام - وإن أسوتك محمد - صلى الله عليه وسلم - وإن سلفك أبوبكر وعمر وعثمان وعلي وأبّي وزيد بن ثابت والكوكبة العظيمة الشريفة من صحب النبي - صلى الله عليه وسلم -وإن سلالتك متصلة بالائمة الأعلام والعباد والزهاد والأتقياء والصلحاء ؛ فإنك في الحقيقة تسير على طريق قد سبقك إليه الأشراف والأطهار ، بل سبق إليه الرسل والانبياء بل سبق اليه الملائكة المقربونفهذا نبينا - صلى الله عليه وسلم - ينبئنا أنه كان يتدراس القرآن مع جبريل - عليه السلام - فإن تدارست القران فتذكر تلك المدارسة التي ليس شيء أشرف منها في الدنيا كلها ، إذ فيها أمين الوحي جبريل وفيها خاتم الرسل محمد - صلى الله عليه وسلم - فما أعظم هذه المتابعة ! وما أشرف هذه السلسلة ! ، ففي البخاري عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - أجود الناس بالخير وأجود ما يكون في رمضان لأن جبريل كان يلقاه في كل ليلة في شهر رمضان حتى ينسلخ ، يعرض عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القرآن فإذا لقيه كان أجود بالخير من الريح المرسلة ) .وانظر إلى آثار كثيرة وأحاديث عديدة تبيّن لك أنك عندما تشتغل بالقران ؛ فإنما تشتغل بما اشتعل به الذين قد بلغوا الغاية العالية والمنزلة الرفيعة ، والقرب من الله - عزوجل - ففي البخاري ومسلم من حديث عائشة - رضّي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سمع رجلاً يقرأ من الليل ، فقال : يرحمه الله لقد أذكرني كذا وكذا آية كنت أسقطها من سورة كذا وكذا ، ولم يكن القارئ يقصد المراجعة ولا المدراسة مع النبي - صلّى الله عليه وسلم - فكيف بمن يقصد ذلك ترداداً وتذكيراً وحفظاً ومراجعة ومدارسة ، فهذا رجل دعا له النبي - صلى الله عليه وسلم - عندما أحيا وقته وأحيا بيت الله عزوجل بتلاوة القرآن ، قال : ( يرحمه الله لقد اذكرني كذا وكذا من سورة .. ) ، فما بالك بالقاصد المريد لترى حينئذ الفضل العظيم عندما تثني ركبتيك في حِلَق القرآن ، وعندما تطأطئ رأسك بين يدي حافظ القرآن الذي يعلمك إنك إنما تهبط إلى شرفٍ عظيمٍ ، وإنما تجلس في رتبة عليا ، فهذا ابن مسعود - رضي الله عنه – يقول : " لقد أخذت من فم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بضعاً وسبعين سورة والله لقد علم أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أنني من أعلمهم بكتاب الله وما أنا بخيرهم " ،وهكذا يقول شقيق صاحب ابن مسعود - رضي الله عنه - : " فجلست في الحلق أسمع ما يقولون - يعني عن ابن مسعود - فكان القول ما قال - أي في علو منزلته وعلمه بكتاب الله عزوجل – " ، وعن سليمان بن يسار - كما في مصنف ابن ابي شيبة - أن عمر - رضي الله عنه - انتهى إلى قوم يقرئ بعضهم بعضاً فلما رأوا عمر سكتوا ، فقال : ما كنتم تراجعون قال : كنا يقرئ بعضنا بعضاً ، قال : " اقرءوا ولا تلحنوا " .فلقد كانت سنة ماضية نحن على إثرها سائرون حلق ومدارسة وحفظ ومذاكرة ، فما أجلّها من متابعة ! وما أعظمها من موافقة ! وفي حديث مسروق عن عائشة - رضي الله عنها - عن فاطمة بنت محمد - صلى الله عليه وسلم - قالت : أسر إليّ النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : ( أن جبريل كان يعارضني القرآن كل سنة، وأنه عارضني الآن مرتين، ولا أره إلا قد حضر أجلي ) .وهذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخاطب عبدالله بن مسعود بقوله:" اقرأ عليّ ، قال ابن مسعود متعجباً : أقرأ عليك وعليك أنزل ؟! قال : نعم ؛ فإني أحب أن أسمعه من غيري - فلا تستكثرن ذلك ولا تأنفن منه ولا يكونن أحد ممتنعاً أن يسمع القرآن ممن هو أدنى منه فقد طلب النبي - عليه الصلاة والسلام - ذلك من ابن مسعود - رضّي الله عنه - فقرأ عليه من أول سورة النساء حتى جاء إلى قوله عزوجل : { فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيدٍ وجئنا بك على هؤلاء شهيدا * يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الارض ولا يكتمون الله حديثا } ، قال : حسبك حسبك ، قال ابن مسعود فنظـرت فالتفت إليه ؛ فإذا عيناه صلّى الله عليه وسلم تذرفان " ، وفي حديث أنس المتفق عليه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لأبّي بن كعب : ( إن الله امرني أن أقرأ عليك القرآن ) ـ فانظر رعاك الله هذه المتابعة الشريفة والقدر العظيم ؛ فإن الوحي ينزل على محمد - صلى الله عليه وسلم - بأن يقرأ القران على أبّي ، قال : أآلله سماني لك ؟! – هل الوحي نزل باسمي مخصوصاً ؟! - قال نعم ، قال : وقد ذكرت عند ربّ العالمين ؟! قال : نعم ، فذرفت عيناه ، وحق له - رضّي الله عنه وأرضاه - فاعلم يا حامل القران ويا طالبه ويا معلمه أنك في هذه المتابعة تنال أعلى أوسمة الشرف ، فدعك من سير الناس شرقاً وغرباً ... وحسبك أنك تسير على أثر محمد - صلى الله عليه وسلم - وتعمل عمل أصحابه وتجلس مجالس العالماء الصالحين وناهيك بهذا عزّاً وفخراً .
6 - الشرف والتقدم
فانت مقدّم في أعظم الامور وأشرفها ، فأنت المقدم في الصلاة ، يقول النبي عليه الصلاة والسلام :
( يؤم القوم اقرؤهم لكتاب الله ) ، فهذه الصلاة التي هي أعظم العبادات ، وآكد الاركان ، وأكثرها تكراراً وكما أثر عن السلف انهم لم يكونوا يرون شيئا تركه كفر إلا الصلاة ومما يدل على هذا التقدم حتى بعد الموت ما فعله النبي - صلى الله عليه وسلم - في دفن شهداء أحد فقد أخرج البخاري عن جابر - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد ثم يقول : " أيّهم أكثر أخذاً للقرآن ؛ فإن أشير إلى أحدهما قدمه في اللحد " ، فحتى بعد موتك فأنت المقدّم ومهما كنت موصوفاً بنقص عند الناس ، فكتاب الله يذهب نقصك ويرفع قدرك ، وفيما رواه مسلم لما تسلية لك وذلك لما سأل عمر - رضي الله عنه - عامله على أهل مكة قال من خلفت على أهل مكة قال : ابن بزة ، قال : ومن ابن بزة ؟ قال رجل من الموالي فقال عمر ـ كالمتعجب أو المستنكر - استخلفت عليهم مولى ! فقال : إنه قارئ لكتاب الله ، فقال عمر : أما إن نبيك قال : ( إن الله ليرفع بهذا القران أقواما ويضع آخرين ) .ولقد كان القراء هم أصحاب مجلس عمر - رضي الله عنه – ومستشارونه ، كهولاً وشباباً ، وكان عمر يجعل في مجلسه عبدالله بن عباس وهو صغير السن ، وكان بعض الأنصار يقول لعمر : مالك تدخل علينا هذا الغلام وفي أبنائنا من هو أسن منه! ، فما كان جواب عمر إلا أن بيّن لهم عملياً أن الفضل بالعلم لا بالسن ، فيسأل في كتاب الله ما يتحيرون فيه ، ويكون الصواب عند ابن عباس – رضي الله عنهما - ، فيظهر لهم علمه ، ويجلو علو كعبه ، ولما سألهم عن معنى قوله : { إذا جاء نصر الله والفتح } ما يعلمون منها ، قالوا : " بشارة ساقها الله إلى رسوله صلى الله عليه وسلم " ، فنظر إلى ابن عباس – رضي الله عنهما - قائلاً : ما عندك فيها ؟ فقال: " أجل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نُعي إليه " ، فيقول عمر - رضي الله عنه -:" والله ما أعلم إلا ما ذكرت " .

ليست هناك تعليقات: